بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله واصحابه اجمعين .
يقول الله تبارك وتعالى : { وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } 41 سورة النحل ، جاء في تفسير" الحسنة " في قول الله تعالى : { وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } 201 سورة البقرة ، على لسان ابن عباس رضي الله عنه انها الزوجة الصالحة ، حينما قرأت هذه الآية تساءلت : كيف ( نُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) كيف تكون الحسنة هنا هي الزوجة الصالحة ؟ استبعدت ان تكون الحسنة هنا هي الزوجة الصالحة على اعتبار ان الزوجة الصالحة لا يمكن ان تكون صالحة الا اذا احيطت بمجتمع صالح لان المرأة الصالحة في المجتمع السيئ مظنة الفساد بينما المرأة الصالحة في المجتمع الصالح هي مظنة الصلاح والاستمرارية وتربية النشئ على ما يحبه الله ويرضاه . حينما طالعت الايات السابقة واللاحقة لهذه الاية تبين لي ان هذه الاية فيها إخبار عن منهج القرآن الكريم وسنة من سنن الله سبحانه وتعالى تبين ان إقامة الدولة الاسلامية ليس من شغل البشر ولا من شغل الدعاة ولا مما ينبغي على المسلمين الاشتغال به ابدا وانما هي من ثمرة الايمان جائزة من الله سبحانه وتعالى لمن احسنوا في الاوقات الصعبة ، لاحظ كيف ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبتدئ بدولة اسلامية بل ابتدأ دعوته في ظل ظروف قاسية جدا وهو افضل الخلق على الاطلاق ... سبوه وشتموه وآذوه وبلغ الاستهزاء به درجة كبيرة حتى سجلها القرآن ، وبلغ من ظلم الكفار للصحابة والرسول ما بلغ حتى انهم اخرجوهم من ديارهم ، اُوذوا وهاجروا ولم يطلبوا دولة اسلامية ولم يعملوا على اقامة دولة اسلامية .. كان هدفهم عبادة الله وتطبيق شرع الله ضمن امكاناتهم ... يعبدون الله بالقدر الذي يستطيعون ما امكنهم في بيوتهم وفي المسجد وفي الشعاب وفي دار الارقم وهكذا استمرت الحالة حتى اذن الله سبحانه وتعالى لهم بالهجرة ، فكانت الهجرة دليلا على صدق ايمان من آمن مع محمد صلى الله عليه وسلم لان من يهاجر يترك اهله وماله ــ هؤلاء صدقوا في ايمانهم لان الانسان لا يضحي بوطنه وماله واهله الا اذا كانت العقيدة التي يؤمن بها اغلى من كل ذلك ... فكانت الهجرة دليلا على صدق الايمان فلما برهنوا على صدق ايمانهم بهجرتهم اثابهم الله دولة في المدينة المنورة جائزة للايمان { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ } 110 سورة النحل ، فكانت هجرتهم دليلا على صدقهم فثبتوا ... امتحنوا واختبروا في مكة ... اختبروا بالضرب واختبروا بالمؤامرة على حياتهم واموالهم والمؤامرة على كل وجودهم ولكنهم ضحوا وهجروا العادات الجاهلية الى الايمان وهجروا الشرك الى التوحيد وهجروا كل متطلبات الجاهلية والعلائق الجاهلية واتبعوا نور الاسلام في بيوتهم وفي انفسهم وفي ازواجهم وفي معاملاتهم مع بعضهم ثم ترجموا ذلك من خلال انتقالهم وهجرتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا في كل ذلك صادقين منيبين الى الله عز وجل متمسكين بهذه العقيدة فكان ان اثابهم الله بهذا دولة اسلامية يعيشوا في ظلها ويشعروا بالحسنة {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} قال : ( في الدنيا ) ، حسنة الدنيا: قد تكون الزوجة حسنة وقد يكون الولد الصالح حسنة وقد يكون المال حسنة ولكن الحسنة التي تجعل من كل هذه الامور احسن الحسن هي الدولة الاسلامية التي يتآخى فيها جميع الناس في ظل شرع الله فيشعرون جميعا بالامن والمساواة والعدالة ، فليس بعد الدولة الاسلامية من حسنة ثم ما دونها من الحسنات لا يساويها ، فالدولة الاسلامية هي عنوان الحسنات الدنيوية ، فاذا كانت الزوجة بحد ذاتها زوجة صالحة حسنة فانها احسن في مجتمع اسلامي واذا كان المال قد يكون حسنا احيانا فهو احسن في ظل مجتمع اسلامي حينما يصرف وينفق في شرع الله وبمقتضى شرع الله سبحانه وتعالى . هذا الامر يؤكده الله عز وجل { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }55 سورة النــور ، وعد ، إذن أول شيء ايمان وعمل فاذا آمن وعمل صالحا فان الله يثيبه دولة اسلامية . فليس مطلوبا منا ان نفكر في قيام الدولة الاسلامية ، فتفكيرنا في قيام الدولة الاسلامية صرف الامة الان عن واجبها اتجاه ربها فانشغلت ببناء الدولة ونسيت ربها وكأن الدولة أصبحت هي معبودها ، نحن لا نريد دولة ولكن نريد ان نعبد الله فاذا عبدنا الله بصدق فان الله يعطينا الدولة ، الله يثيبنا الدولة ، فالدولة هي ثواب العمل الصالح الدنيوي... ثواب العمل الصالح الدنيوي هو الدولة الاسلامية .
--------------------------------------------------------------------------------
لا اله الا الله محمد رسول الله
اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا ابدا ما احييتنا .. امين